السبت، 28 مارس 2009

مقال للأديبه في جريدة الوطن الكويتيه

أحدث دراسة نقدية عن شعر د.سعاد الصباح
سيدتي :احبك
ثورة أمام أنيني مكتوم,صراخ وهدير أمام همسي المهزوم, وضوح قوي أمام التماسي الستور و صلابة قلمك أمام قلمي المكسور ,تحدي وتصدي أمام انسحابي المقهور.
احبك بقلبي الضعيف وخوفي الكبير كل هذا شعرته عندما قرأت أحدث دراسة نقدية صدرت عن شعرك وكان الاختيار الواعي من شاعر وناقد واع يعرف لمن وكيف يختار فقد حرص د.فوزي عيسي(رئيس قسم اللغة العربية بآداب الإسكندرية) علي إبراز الجوانب المتنوعة في شعر الشاعرة الخليجية د.سعاد الصباح وألقي الضوء برقته المعهودة وعذوبة أسلوبه وتحيزه الجميل للمرأة ألقي الضوء علي موقف الرفض والتحدي الواضح من سعاد الصباح منذ بدايتها في ديوانها الأول (أمنيه) والقصيدة التي تعبر فيها عن واقع المرأة ومعاناتها من الممارسات القهرية التي تمتهن كرامتها وتجعلها أداة تسليه ومتعه للرجل و القصيدة بعنوان (حق الحياة)قالت فيها:
ويل النساء من الرجال إذا استبدوا بالنساء
يبغونهن أداة تسليه ومسألة اشتهاء
ومراوحا في صيفهم ومدافئا عبر الشتاء
وسوائما تلد البنين ليشبعوا حب البقاء
ولعل هذه الأبيات التالية التي اكتبها بقلمي وهي من نظمها هي تعبير عن حالي وحالها وحال كل شاعرة أو أديبه وواقع نظرة بعض الجهلاء لها
قالت المهرة العربية:
يقولون:
إن الأديبات نوع غريب
من العشب..ترفضه البادية
وأن التي تكتب الشعر..
ليست سوي غانيه!!
فحرك هذا الواقع د.سعاد الصباح ورفضته وغضبت وتحدت وأعلنت أن عصر الحريم قد انتهي والعصر الجديد هو عصر المساواة بين الرجل والمرأة وقالت:
لا..لن نذل ولن نهون ولن نفرط في الإباء
لقد انتهي عصر الحريم وجاء عصر الكبرياء
وجلالنا حق الحياة................فكلنا فيه سواء
وهكذا نري قضيه المرأة هي محور اهتمامها فأعلنت د.سعاد الصباح رفضها لقوانين المجتمع ألذكوري الذي لا يري في المرأة إلا جسدا ومتاعا ويغلق في وجهها منافذ الحرية فرفعت راية التحدي واختارت طريق المواجهة فاتصف شعرها بطابع نضالي وروح ثائرة وصار صوتها الإبداعي صوتا مناضلا ومناصرا للمرأة من اجل الحصول علي حقوقها الاجتماعية والسياسية وخاضت معارك عنيفة وتعرضت لهجوم من بعض الأقلام ولكنها واجهت كل هذا بشجاعة وثبات وتحدي واتسق هذا الدور مع دورها البارز في الحياة الاجتماعية وعضويتها في المنظمات النسائية.
وتحول الضوء علي رؤية الشاعرة للحب وكيف أنه حق للمرأة مثل الرجل فمن حقها أن تحب وتعبر عن هذا الحب بأعلى صوت وقد عبرت عن رأيها في مقدمه ديوانها (قصائد حب) قائله:
في هذه المجموعة الشعرية أردت أن أحقق نوعا من ((الاشتراكية العاطفية)) بعيدا عن أي فكر إقطاعي أو قبلي أو احتكاري..وان أسترد حقي الطبيعي كاثني في نقل مشاعري إلي من أحبه دون أي شعور النقص أو الاضطهاد أو بالخروج علي القواعد الأخلاق العامة، فالحب الكبير لم يكن في يوم من الأيام مناهضا للقيم العليا،والأخلاق العامة..إنه حق مشروع لا يختلف عن حق الأمواج في التكسر وحق الرعود في التفجر وحق العصافير في الغناء والزقزقة..فلماذا لا يسمح لي أن أكون موجة أو رعدا أو عصفورة تغني علي نافذة حبيبها دون أن تقتلها بواريد الصيادين؟
هنا تطالب الشاعرة بحرية التعبير بالمساواة بين الرجل والمرأة فهي تؤمن بالحب النبيل الذي يحترم إنسانيتها وأنوثتها وينظر إليها كامرأة لها كيانها وعقلها لا مجرد أنثي تشبع غرائز الرجل.. تؤمن بالحب الثوري الذي يسبح ضد التيار ويحاول أن يغير كل شئ يتسم بالخوف أو السلبية في قواميس الغرام فهي عندما تحب تتجاوز حدود العلاقة لتدخل في حاله حب مع العالم كله وتشعر أن العالم كله وطنا لها فتقول:
حين أكون بحاله عشق
أشعر أن العالم أضحي وطني
وبإمكاني أن اجتاز البحر
وأعبر آلاف الأنهار
وبإمكاني
أن أتنقل دون جواز
كالكلمات ...وكالأفكار
ويتجول د.فوزي عيسي بين أشعار النخلة العربية د.سعاد الصباح ويتنقل مابين رؤية الشاعرة للحب وخطاب العشق ليدها حيث يتسم خطاب العشق عند الشاعرة بالجرأة ولا حدود له من حيث البوح والتعبير عن المشاعر والأحاسيس الداخلية..
خطاب يجعل المرأة شريكا للرجل في الحب ويحقق المساواة العاطفية.. خطاب يهدم الحواجز التي إقامتها بعض المجتمعات العربية لتحول بيت المرأة والتعبير عن أحاسيسها الأنثوية فالشاعرة في خطاب العشق تمارس حقها الطبيعي كامرأة في نقل مشاعرها إلي من تحبه وتكسر احتكار الخطاب ألذكوري الذي يستأثر وحده بالتعبير والبوح..ويمتزج هذا الخطاب بالثورية والتحدي فتقول:
يا سيدي:
مشاعري نحوك بحر ماله سواحل..
وموقفي في الحي لا تقبله القبائل....
يا سيدي:
أنت الذي أريد..
لا ما تريد تغلب ووائل..
أنت الذي أحبه..
ولا يهم مطلقا إن أحلو سفك دمي..
واعتبروني امرأة خارجة عن سنة الأوائل
ثم يتطرق الناقد الدكتور.فوزي عيسي إلي د.سعاد الصباح ومفهومها للحب والرؤية الحضارية ويتعرض لصور الأنوثة والأمومة في شعر د.سعاد حيث تنبث صور الأنوثة والأمومة بصورة لافته في شعر سعاد الصباح العاطفي تقول د.سعاد الصباح:
حين تكون حبيبي
يذهب خوفي...
يذهب ضعفي..
أشعر أني بين نساء الأرض الأقوى
أترك عقدي الأول خلفي
ولا ينسي إلقاء الضوء علي صورة الذات لدي الشاعرة حيث أن التفجر العاطفي والتطرف في المشاعر والعاطفة الجامحة هي الصفات المميزة لشخصيه الشاعرة وتجربتها ولا تجد حرجا في المصارحة بهذه الصفات فتقول:
ما لجنوني أبدا حدود
ولا لعقلي أبدا حدود
ولا حماقاتي علي كثرتها
تحدها حدود
يا رجلا يغضبه تطرفي
من الذي يغضب من تطرف الورود؟
ونأتي هنا إلي التيار النضالي الذي يسيطر علي شعر د.سعاد الصباح والحب والسياسة والرؤية الفكرية والسياسية فهي لم تستغرق تجربتها في كشف سلبيات الواقع الاجتماعي وحقوق المرأة وإنما أفسحت مساحة للقضايا الفكرية والسياسية فهي تناضل علي كافه المستويات..المرأة..الحرية الفكرية..ومن أجل حرية الإنسان بصفة عامة ،فقضيه(الحرية) من أبرز القضايا التي تتبناها وتدين الشاعرة سياسة هذا العصر ألظلامي عصر كبت الحريات،وتكميم الأفواه..عصر المعتقلات والإقامة الجبرية..تقول الشاعرة في لغة مفعمة بالمرارة والسخرية:
حتى الشمس في هذا العصر ألظلامي
أخذوها من بيتها
وحكموا عليها بالسجن خمسه عشر عاما
بتهمة توزيع رسائلها الضوئية
علي نوافذ المواطنين
حتى ضوء القمر..
الصقوا صورة علي جدران المدينة
وطلبوا إلقاء القبض عليه
حيا ..أو..ميتا..
حتى سنابل القمح
وضعوها في الإقامة الجبرية
ومنعوا العصافير من زيارتها
حتى كلامنا في المقهى.. أو علي الهاتف..
مسجل علي أشرطة
ومحفوظ في أرشيف المباحث العامة..
ثم يتحول الضوء إلي اهتمام الشاعرة بالقضايا القومية وكيف أن انتماءها العربي غير قابل للمزايدة فهي تتشبث بعروبتها وتنعكس علي شخصيتها كل أمال العرب وكل أحزانهم فتقول:
هل من الممكن إلغاء انتمائي للعرب
إن جسمي نخله تشرب من بحر العرب
وعلي صفحة نفسي ارتسمت
كل أخطاء ،وأحزان،
آمال العرب
وكيف لا وهي التي ولدت في العراق وتعلمت في مصر ووقفت فترة في لبنان فهي عربيه حتى النخاع وتؤمن بالوحدة العربية وتراها السبيل الوحيد لتحقيق آمال العرب ونهضتهم وتبقي الكويت الوطن الذي تعتز د.سعاد الصباح وتفخر بانتمائها إليه فتقول في ديوانها برقيات عاجله إلي وطني:
إنني بنت الكويت
بنت هذا الشاطئ النائم فوق الرمل
كالظبي الجميل
في عيوني تتلاقي
أنجم الليل،وأشجار النخيل
من هنا..أبحر أجدادي جميعا
ثم عادوا..يحملون المستحيل
وألقي د.فوزي الضوء علي ركن حزين آلمني بشدة فهو لم يستطع إغفال الجانب الرثائي في محنتها ألكبري وموت ابنها (مبارك) وجسدت د.سعاد الصباح هذه المأساة في ديوان(إليك يا ولدي).
وير يد.فوزي عيسي أن الرثاء بصفه عامة يمتاز بالصدق وحرارة العاطفة لا سيما رثاء الأهل والأحباب وقد سئل أحد الشعراء قديما(لماذا كانت مراثيكم أجود من غيرها؟لأننا نقولها وأكبادنا مقروحة)
وتعبر د.سعاد الصباح كيف أن فقدانها لمبارك أفقدها الآمال ولم يعد للحياة معني أو قيمة فتقول:
مبارك كان لي دنيا من الحب أناجيها
وآمالا أعيش بها وأحلاما أغنيها
قضيت العمر والاثنين أرعاها وأحميها
فكيف اغتالها مني قضاء جاء يطويها
ويلقي بها الظلمات تشقيني وأشقيها
ويشع الضوء علي كل الباقات الرائعة للشاعرة الدكتورة سعاد الصباح ويعبر الناقد د.فوزي عيسي عن الأداء الفني من حيث لغة الشعر وكيف أنها لغة عصريه تستمد مفرداتها وأساليبها من الحياة اليومية ثم حيث الصورة الشعري هو كيف أن للشاعرة صور مبتكرة متجددة وكيف أن للبحر والطبيعة وارتباط المجتمع الخليجي بالبحر فهيمنت صور البحر علي أخيلة الشاعرة.
وهكذا سيدتي عرفت جزء ضئيل من كتاب جميل كتب عنك وإليك وأحببتك من خلاله واقتربت منك فسمعت صراخي في شعرك ورأيت عذابي في ألمك وبكيت لحزنك وثرت معك وتحرك التمرد بداخلي.. فهنيئا لكي قلب يشعر وعقل يدرب ولسان يعبر وقلم يفرز كل هذا لمن يشعر أنك شعرت بقلبه ودبرت لعقله وعبرتي عن لسانه وأفرزت ما عجز عنه ..أفخر بأني عربيه مثلك وأنني من فئة الأديبات .. مع حبي
هناء عبد الهادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق