الأربعاء، 25 مارس 2009

حلم عانس



حلــــم عانـــس {
><><><>< ... وصلني اليوم خطاب من صديقة لي في لبد شبه ريفي فهو مدينة تختلط بها المدينة مع الطابع الريفي فبعض أحيائها عمارات عالية يسكنها أناس لا يعرف بعضهم جيداً وبعض أحيائها بيوت لأهالي المدينة الأصليين ذوي الطابع الريفي وربما ما زال يحتفظ البعض منهم بالحيوانات ويذهبون إلي الحقل في وسط شوارع المدينة المرصوفة ووسط العمارات ويعتبرون أنفسهم أفضل من هؤلاء ساكني العمارات الذين علي حد قولهم لا نعرف لهم أصلاً كما أن هؤلاء السكان الأصيلين لم يتركوا المدينة ، فبجاني البيوت الفرحي كما يطلقون عليها لديهم الشقق والبيوت المعدة كأحدث البيوت مفروشة بالسجاد والموكيت وبها كل الأجهزة الكهربائية والمهم أن صديقتي من هؤلاء السكان الأصليين وعائلتها أكبر عائلة في تلك المدينة وأهلها ذوو مناصب عالية في المدينة والمحافظة كلها صديقتي كانت علي قدرة معقول من الجمال معتزة بنفسها بأهلها كريمة كم أغدقت علينا وقد غابت عني من سنين حيث تفرقنا لا أعرف أخبارها سوي من بعض الخطابات التي تصل منها بين الحين والآخر وهذا الخطاب طويل بعض ففيه حكاية صديقتي التي حدثت لها أخيراً والتي تركت في نفسها أبلغ الأثر وأحزنه تقول صديقتي في رسالتها : ... صديقتي ألوذ بك و أشكو لك ولعلي التمس في شكواي إليك بعض عزتي وكرامتي واعتزازي بذاتي ولعي أرمم ما كسره الزمن في ولعلي أجد عزائي لديك ـ لعلكى تفيقيني من أحزانى وصدمتي فما حدث لي يكن يخطر علي بال في يوم من الأيام أتذكرين أيام شبابنا . ... أيام كنت أرفض الذين يتقدمون إلي لعدم مناسبة ظروفهم العائلية أو المادية أو التعليمية لي ـ أتذكرين كم عددهم ـ كانوا كثيرين ظل حالي هكذا و وبينما تزوجت تقريباً كل زميلاتي بل وأنجبن الأطفال وبدأ عدد من يتقدمون إلي يقل بل أصبح منعدما ولم يعد يطرق بابي شاب واحد يطلب يدي وتزوج أخواي وأصبح في بيتنا فتاتان جديدتان هما زوجتا أخوى كلتاهما أصغر مني وأنجب أخواي أطفالاً وأنا ما زلت قابعاً في المنزل لا يشعر بي ويحزن علي سوى أمي التي لا تكف عن الندم علي رفضنا الشباب وتخاف علي من الأيام ومن زوجتي أخوي إذا هي أصابها مكروه و لا تكف عن ذكر هذه المخاوف كل الندم ـ والحقيقة أنا أيضاً أخاف فلقد رفض أخواي أن أعمال وقالا لي نحن لسنا بحاجة وخشيا علي من كلام الناس في أنهم أخرجوني للعمل لأصرف علي نفسي أو لأصطاد عريسا ـ المهم أنني لا أعمل وبيتنا كبير حوله حديقة وكل الدور الأول فيه لي أنا وأمي والدور الثاني به شقتان لأخوي ـ فعندما أتخيل وجودي وحدي في هذا البيت الكبير والعالم الأكبر أشعر بوحشة كبيرة ولما لا إذا كنت أصلا عندما تنام أمي وأسهر أنا أشعر بتلك الوحشة والتي شعرتها تلك الليلة بصورة رهيبة فقررت الكتابة إليك ـ هذا كان حالي منذ ثلاثة أشهر ومنذ تلك الفترة كان يزورنا ابن عمي وهو متزوج ويعمل بجمرك الإسكندرية وبحضر إلي بيت أبيه في الأعياد هو وزوجته وأولاده وبالطبع يحضر لزيارتنا أيضاً وفي العيد الماضي حضر إلينا ونحن لدينا في المنزل حجرة كبيرة للضيوف الرجال تسمي ( المندرة ) تقابل غرفة الجلوس عندكم ولكن أكبر حجماً وكان ابن عمي قبل هذا يحضر وحده فيجلس مع الرجال في المندرة وربما مرت سنين لم أره لقصر زيارته ولعدم دخولنا علي الرجال في المندرة ولكن هذا العيد أحضر زوجته وأولاده فدخلوا إلينا ليسلموا علي أمي وزوجتي أخوي والجميع فرآني ابن عمي وتعجب وحزن من أجلي صمت ولم يفصح إلا عن شوقه إلينا جميعاً وسافر ويبدو أنه أشفق علي فوجدته يتصل بإخوتى ويقول إن لدية عريساً لي ـ قريب لزوجته ـ أرمل وله طفلتان ويريد بنت ناس طيبين لتعيش معه ويبدو أن سنين الوحدة وعدم طلب أي شاب لي جعل هذا الطلب لا يفزعني أو يدهشني أو يحزنني ـ بل فرحت لأني سأعيش في إسكندرية وأترك البلد بكلامها وزوجتي أخوي بعيونهما وهمساتهما و... وكل شئ أرحل وأنسي صفحة من حياتي ـ وما يفيدني أربي له ابنتيه اليتيمتين وأعيش معه فأنا الآن أربي وأراعي أبناء إخوى فهما مثلهم لا مانع ـ المهم تحدد الموعد وحضر العريس وجلس في غرفة جلوس أخي الكبير في الدور الثاني وحضرت زوجة ابن عمي معه ودخلت علي العريس ووجدته ما زال شاباً وليس عجوزاً كما كنت أتخيل وقد قالوا لي أنه حضر بسيارته فطبعاً شعرت أنه شئ ممتاز وفرحت ولكن لم أنطق لحرج الموقف ولأني أصلاً أنا ليس لي علاقة جيدة بزوجة ابن عمي يدور حديث بيننا لأنه لم يدخل سواها معي حتى لا أخجل وبعد اللقاء سافر وقال ابن عمي لأخوتي إنه سيتصل بهم في القريب وأوضح ابن عمي أن العريس موافق وقال أريحوه في التفاصيل المادية وقال أخواي لا مشكلة في تلك الأشياء المهم الشخص مادام من طرفك ومعرفتك فنحن مطمئنون وكأنني يا صديقي صغرت عشر سنوات وبالحق الجميع فرح أخواي وزوجتاهما وأولادهما وأمي كانت فرحتها لا تصدق وأخذت تخرج لي ذهبها الذي تحتفظ به وتقول سأهديه إليك فأنت أولي من زوجتي أخويكى وأخواي يعدانني بأحلى جهاز وأخذنا نحلم جميعاً حتى أولاد أخوي كانوا سعداء وكانوا يقولون لي ببراءة ( نروح عندك إسكندرية يا عمتي ) وكأني سأذهب أكيد وظلنا ننتظر أسبوعاً واثنين شهراً أكثر ولم يأت أحد ولم يتكلم أحد ولم يخبرني أخواي بأي شئ وبالطبع لم أسأل ولكني لاحظت تغيراً في معاملة أخواي وزوجتيهما وربما الأكثر زوجتيهما لاحظت بعض التجاهل وشيئا من الاستهزاء ولكني كنت أكذب نفسي حتى لا أواجه نفسي بالحقيقة ولكني ظلت انتظر ربما هناك شئ لدي العريس أو بعض الأمور التي يصفيها وسيأتي ولما لا يأتي فأنا حقاً لم أعد جميلة ولكني لست قبيحة ومن عائلة وأحمل شهادة جامعية فما المانع ـ حقاً إنه رجب أنيق ميسور الحال وعاش حياة المدينة الزاخرة بكثير من النساء الجميلات ولكنه أيضاً أب لطفلتين وأرمل وأنا ما زلت فتاة ـ ظل كبريائي يساندني ورغم رؤيتي لحزن أمي ولكني لم أشأ أن أسألها وهربت من عينيها ومن إخوتي وزوجتيهما ومن كل من حولي لخوفي من مواجهة الحقيقة ولكن ما حدث بعد قرابة شهرين أن ابن أخي كان يعبث في بعض الأشياء فأفسدها فنهرته وتوعدته بالضرب كما أفعل دائماً ولكن الولد في هذه المرة غرس في خنجراً وصوب إلي نفسي ألف رصاصة لقد قال ابن أخي كلمة تعبر عن خيبة أمله في وعدم وجود حافز لدي لكي يطيعني فقد كان سعيداً بأنه سيذهب إلي إسكندرية ولكن الآن قال ( خلاص مش ح تروحي إسكندرية العريس مرضاش بيكى ) ولك أن تتخيلي وقع هذه الكلمات علي قلبي ونفسي وكل كياني وهجم علي المرض والحزن وطال حزني وصمتي وحال الجميع إدخال السرور علي نفسي ولكن كان حزني أكبر من أن تذيله كلمات العالم بأكمله فلم أكن أتخيل أن يأتي هذا اليوم علي نفسي ويقال عني لفظ عانس ولكنه حدث وأصبحت عانساً ويبدو أنه مجرد أن أفكر أنه سيأتي يوم وأتزوج يعتبر هذا حلم عانس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق